ميزان الفرح

Publié le par Walid Ben Azzouz

ميزان الفرح

من السعيد؟ من التعيس؟ من تضحك له الدنيا؟ ومن تكشر أنيابها في وجهه؟ من الرابح؟ ومن الخاسر؟ من البطل؟ ومن الضحية؟ من الذكي؟ ومن الغبي؟ من الغني؟ ومن الفقير؟ ببساطة ما السعادة؟ ما الدنيا؟ ما وجودنا؟

تأمل عميق يمسح الغبار على القلب وينور الطريق ويصحي العقل من سكر الظاهر من الأمر. تأمل في الناس وحياتهم. تأمل في اللغز ومحاولة تمييز الألوان المتداخلة فيه. قد يعرف السعادة والسبيل إليها..

بشرى، طالبة جامعية في سنتها الأولى من الطب. من أب وأم بسيطين يحاربان الحاجة. لها أخ وأخت برعمين. هي أمل الأسرة في الغنى والخروج من عنق زجاجة ضيقة قد ينفذ داخلها الهواء في أي لحظة. فتاة كزهرة في شجرة خريفية. تصارع الزمن والمكان والبشر.. حائرة بين حب وحب آخر..

خولة، تلميذة باكالوريا علوم. من أسرة ميسورة وطبقة ناعمة سخية. تعيش الترف والرخاء. حائرة بين القميص الوردي والأصفر، بين السروال الضيق والقصير. يعذبها شوق فراق حبيبها الأمس. لا تبالي لطريق المدرسة رغم طوله. لأن سائق سيارتها الأفخر من سيارة الأستاذ ينتظر أبسط إشارة..

رشيد، في مقتبل الشباب، تلميذ أرغمته عوامل الطبيعة على الخشونة. طالما تدحرج في حارة جافة، لم يجد لها الماء طريقا، فافتقد رشيد لنعومة الملمس. يدرس ويعمل بائعا على الأرض لكل شيء تحتاجه الظرفية. ويلعب ويتسلى مع رجال الداخلية في كر وفر. ويعلم أن الوطن يهبه ثديا فارغا..

عدنان،مهندس في مهد مسيرته. من أسرة متوسطة الدخل لا يحتاجون إلا لحنانه. عين قبل سنة بإدارة للمياه والغابات. بعد كفاح خمس سنوات، ذاق خلالها أمر الأحاسيس وأطيبها فأصبح محترفا للصبر.. وقد خطى خطوة واسعة في خطة رسمها له أب حنون. همه أن يعيش كمهندس. شقة وسيارة كريمتين. ورد جميل لأم كصخرة لينة وهبته حياتها دون مقابل..

شيماء، شابة حسناء في ربيع العمر. تعمل في دكان مغمور للخياطة. هدرت المدرسة بعد إخفاق في تعدي المرحلة الإعدادية. تعزف الآن على آلة خياطة وتعرف جيدا كل أصواتها الميكانيكية. لها أخ متعطش للمال. تشعل بداخله جمرة الإدمان فيحاول إخمادها بأنفاس الحشيش وجرعات الخمر.. وشيماء تنتظر فارسا شهما ينقدها من قبضة الوحش..

يونس، يعيش شيخوخة مراهقته. انقطع عن الدراسة لدواعي عائلية، فأمه المطلقة بعد حيرة فضلت قضمة خبز حلال عن البقاء قرب طفليها. فبقاؤها بجانبهم لن يطفئ جوعهم. يونس شاب بأخلاق عالية وشهامة نادرة. يسكن آهاته فريق الكرة المفضل. فيتبعه أينما حل وارتحل. ويحفظ عن ظهر قلب أناشيده الملحمية. مباراة كرة قدم كدلو ماء مثلج يطفئ الغضب. كمرود ثيران إسباني بارع، يفرغ هول الثورة الجارف في رداء أحمر. فتحصد بدل الأنظمة الفاسدة، قلوب أمهات..

نوفل، فتى لطيف يحتمي من الحر تحت ظل أبيه الناجح الذي يضع له تحت وسادته كل يوم أجرة موظف بسيط. ينفقها في حاجيات طفولة مراهقة دون مبالاة..يعاني الضجر فيذهبه بغرامات هروين..تعبئة لروحه..

أنور، طفل صغير يجري وراء الكرة كالزئبق. حلمه اللعب لبرشلونة والفوز بكأس العالم. لكنه يواجه واقعا شائكا مجحفا. إعدام المال للموهبة. نظرية "ادفع لكي تحلم". لكن قلبه مفعم بالحياة والأمل..

فاطمة،  عجوز رسم الزمن على وجهها لوحة تراجيدية مؤلمة. ووهبها الله طهارة وهدوءا ملائكيا. تجلس أمام باب منزلها الذي يطل على فناء الحارة. فتحاول استيعاب خدعة العمر حيث حسبته منذ زمن غير فان. لكنها لا تخاف الموت وتؤمن في اطمئنان أنها لن تعيش عمرا آخر مثله..

السعادة إحساس عادل. تجد الغني في تعاسة أو فرح والفقير كذلك.. تجد الشاب شقيا والشيخ مطمئنا.. تجد البصير يائسا والأعمى آملا.. تجد السوي متعبا والأعرج يعج حياة.. هرمون واحد يفرز في لحظات يحددها قدر مضبوط. ولو كان العكس لكان الله ظالما لخلقه. لكن الله عادل رؤوف بعباده. 

ميزان الفرح
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article